((( تكوين 2 : 18 - 24 )))
لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله ، وصورة الله تظهر في الرجل والمرأة معاً . وهذا ما يدل عليه النص في سفر التكوين حينما يتحدث عن خلق الإنسان ، إذ ينتقل من صيغة المفرد ( خلقه ) إلى صيغة الجمع ( خلقهم ) ، فالإنسان لم يُخلق رجلاً منفرداً ، بل خُلق رجلاً وامرأة . فالله خلق تنوع الجنس ، خلق الذكر والأُنثى ودعل الإسان إلى أن يعيش مع غيره ، لا منعزلاً ، وعندما يلتقي الجنسان ( الرجل والمرأة ) في علاقة محبة وشركة يكونان صورة كاملة للإنسانية ، لأن الرجل والمرأة معاً الوجه المنظور لله الغير منظور ...
والله في خلق المرأة خلقها لتكون العون المناسب للرجل ، فأغرق آدم في سبات عميق ، وبهذه العبارة (( التي حللها الكثيرين في غير موضوعها )) يحافظ السفر على سرية عمل الله في خلق المرأة . فحينما لم يكن أحد موجوداً في خلق الرجل هكذا في حالة خلق المرأة خلق سري لا يعرفه أحد ولا الرجل ذاته ، لذلك يظل الرجل والمرأة مترابطين بسرّ إلهي لا يقدر أن يشرحه أحد ما ...
وفي التقليد المسيحي والتعليم الآبائي فيرى في خلق المرأة من ضلع آدم صورة مسبقة عن الكنيسة المولودة من جنب المسيح على الصليب . فيقول ترتليانوس ( 155 - 225 ) في كتابه " عن النفس " : [ إذا كان آدم صورة عن المسيح ، فرقاد آدم صورة عن موت المسيح الذي رقد رقاد الموت لكي تصوَّر الكنيسة أم الأحياء الحقيقية ]
وقال القديس أغسطينوس : [ من ضلع آدم النائم كوَّنت حواء ، ومن جنب المسيح المائت تفجرت الأسرار التي تهب الكنيسة الحياة ]
عموماً سر خلق المرأة من الرجل يوضحه الإنجيل في عمق يربك العقل حينما يقول : " لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته فيصيران جسداً واحداً " ( أنظر مت 19 : 6 ؛ مر 10 : 8 ) وبالطبع الوحدة هنا ليست وحدة أجساد فحسب ، إنما هي خاصة بوحدة القلب والنفس بحياة الشركة والمشاركة في الأفكار وعواطف المحبة العميقة بالبذل والعطاء المتبادل بين الطرفين في نور الله وعمل الروح القدس روح الوحدة والشركة الحقيقية ...
عموماً وباختصار شديد ، خُلقت حواء من ضلع آدم وليس من تراب الأرض مثلما فعل الله مع آدم ، وهذ يحمل مغزى هام من حيث كون الإنسان هو واحد في أصوله ، كما عبَّر عن ذلك الرب يسوع بقوله : " أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى " ( مت 19 : 4 ) . ويُعلق على ذلك القديس أمبروسيوس قائلاً :
[ خُلقت المرأة من ضلع آدم . ولم تُخلق من نفس الأرض التي صُنع هو منها ، وذلك لكي نتحقق من أن التكوين الطبيعي للرجل والمرأة هو متطابق تماماً ، وأن هناك مصدراً واحداً لتكاثر الجنس البشري . لهذا السبب لم يُخلق رجل مع إمرأة ، ولا رجلان معاً ولا إمرأتان معاً من البداية ، ولكن خُلق الرجل وحده أولاً ثم امرأة ( من الرجل ) . فقد اراد الله بذلك أن تتأسس الطبيعة البشرية كوحدة واحدة . وهكذا من البداية الأولى لأصل البشرية استبعد الله إمكانية قيام طبائع متباينة كثيرة منها ... لاحظ أيضاً ملياً هذه الحقيقة أن الله لم يأخذ جزءاً من نفس آدم ولكنه أخذ ضلعاً من جسمة ، أي أنها ليست نفساً من نفس ، ولكنها " عظم " من عظامه ولحم من لحمه " فهي تُدعى امرأة ( لأنها من امرءٍ أُخذت ) ]
اذكرونا فى صلواتكم