افتح كفّيك
تقول الحكاية , ان شابا يافعا مليئا بالحيوية والنشاط كان هائما على وجهه يبحث عن السعادة وراحة البال . كان دائم الترحال والاسفار يقطع الفيافي والصحاري , يتسلق الجبال والهضاب , وينزل الاودية والشعاب . كان يذهب الى البعيد البعيد علّه يجد ضالته ومبتغاه , لكن عبثا فكل محاولاته باءت بالفشل والخيبة .
وفي يوم من ايّامه الصعبة , قادته رجلاه المنهكتان الى حدائق وارفة غنّاء , تضم في وسطها قصر واسع منيف . كان هناك شيخ جليل واقفا عند بوابة القصر , ومن فحوى الكلام عرف صاحبنا ان الشيخ كان ينتظر قدومه وتشريفه.
ابتدأ الشيخ الجليل الكلام " تفضل يا ولدي , ادخل الى بيتك , فهنا حتما ستجد مبتغاك وتلاقي ما تبحث عنه وترتاح " . فرح الشاب لوصوله اخيرا الى ما يبحث عنه , ودخل القصر برفقة الشيخ الجليل . ابتدأ صاحبنا بالتجوال لمعرفة اسرار المكان وكشف المخبأ والمستور .
كان هناك غرف عديدة ومقفلة . وقف الشاب امام احداها وقال لنفسه " هذه غرفة كبيرة ذات بوابة خشبية رائعة , منقوشة بأجمل الرسوم والزخارف , سأدخل وأرى لعل النفس تُمنى بالسكينة والراحة "
فتح الباب ودخل الى غرفة فسيحة واسعة . كانت الغرفة مليئة بالصناديق الخشبية المُغلقة . كان هناك عنوان منقوش على كل صندوق , وبدأ صاحبنا باستعراض الكلمات
+++++++++++++
صحة , غنى , سعادة , سلطان
شهرة , جاه , اولاد , قناعة
والكثير الكثير
وقف الشاب مشدوها وحائرا امام المجموعة الكبيرة من النعم والعطايا , وقطع حيرته واضطرابه صوت الشيخ الجليل عندما قال
" اختر يا ولدي صندوقا واحدا وانا سأعطيك كلّ ما بداخله "
بدأ صاحبنا بأستعراض العناوين ثانية
ما الذي يريد وما الذي يبتغيه
من حياته ,ايامه ولياليه ؟
وقف امام الصناديق حائرا
وقف اياماً , شهوراُ وسنين وهو لا يزال يستعرض الكلمات والعناوين
بعد مرور سنين وسنين على وقوفه الطويل ,
جاءه الشيخ الجليل قائلا
" ما الامر يا بني , ألم تختر بعد ؟
دخلت قصري شابا يافعا , وها انتَ اليوم عجوزا هرما . ما قصتكَ ايها الفتى وما هو سرّك ايها الانسان " ؟
اجاب صاحبنا وقد اعياه الوقوف , الحيرة والتفكير
" لا ادري يا سيّدي ماذا اقول ؟ انّي بحيرة كبيرة من امري
الصناديق جميعها مُغرية وأنا بالحقيقة , ارغب بها كلّها "
ضحك الشيخ الجليل وقال
" هل تريدها جميعها يا ولدي ؟ حالكَ مثل جميع الزوّار الذين اتوا الى هنا من قبلك
على كل حال اغلق عينيك وافتح كفّيك وستحصل على ما تريد " .
اغمض صاحبنا عينيه وفتح كفّيه بأنتظار الحصول على مبتغاه
لحظة تأمل وهنيهة تفكير ورأى امامه حياته الماضية وكأنها شريط مصوّر
رأى طفولته, شبابه وكهولته
رأى
ذويه , زوجته , ابنائه , اصحابه
عمله , احلامه و...... و...........ه
ولم يقطع حبل افكاره الا حفنة تراب كبيرة
ملأت كفّيه المفتوحتين
وفاضت
..........ه........ه..........
ودمتم رولا